ربما لم يعد سرا بان النظام السوري لا ينظر بعين الرضى التام الى الدور الروسي في سوريا اليوم، والصديق الذي كان يؤمل منه المساعدة لتحقيق الانتصار على الاعداء ربما سلب من "سيادة" القرار السوري اكثر مما سلب اعداء النظام..
في قاعدة عامة ذكرها ميكيافيلي في كتابه الامير قبل حوالي 500 عام انه في ازمات حكم الملك (الامير)، الاستعانة بالمرتزقة افضل بكثير من الاستعانة بجيوش الدول القوية، لانه ببساطة عندما يستعيد الملك زمام الامور يمكنه طرد المرتزقة او القضاء عليها، فيما لايمكنه ان يفعل ذلك مع جيوش الدولة القوية التي ساعدته.
لا يمكن ان ننكر بان روسيا هي من اخرت سقوط النظام وابقته في سدة الحكم منذ العام 2015 على الاقل، وهي الداعم الرئيسي له اليوم والعامل الرئيسي في عملية استرجاعه معظم الاراضي التي كانت خارجة عن سيطرته والدفع باتجاه اعادة الاوضاع على ما كانت عليه قبل العام 2011.
فلماذا يجب على النظام السوري ان يخشى روسيا؟..
الحقيقة ان ورطة النظام السوري مع روسيا "الصديقة" اكبر بكثير من ورطته مع اعداءه الاميركان والاتراك..
اليوم يمكن للنظام السوري ان يطالب بخروج القوات "الاميركية" و"التركية" من سوريا ولكن لا يمكنه حتى ان يلمح بهذا الطلب بالنسبة للقوات الروسية..
وبقاء القوات الروسية سيحولها الى سلطات وصاية على النظام نفسه، وهذا حاصل اليوم في كثير من القطاعات بطبيعة الحال..
مصادر موثوقة من المؤسسة العسكرية تؤكد بان القرارات العسكرية الاساسية في سوريا اليوم تحتاج الى توقيع ضابط روسي معين رفيع المستوى بجانب توقيع رئيس الاركان السوري، واذا اردنا ان نشكك في هذه المعلومات فان واقع الحال على الارض يؤكد ما تشير اليه هذه المصادر.
فقرار "الحرب" و"السلم"، ومباشرة العمليات العسكرية او الالتزام بالهدنة، امور يتم مناقشتها مع روسيا اليوم، والنظام السوري ينفذ ما تقرره روسيا..
والاخطر من ذلك ان روسيا اليوم هي الطرف المعني بالتفاوض على شكل الحل السياسي النهائي في سوريا، وهي الطرف الذي يمكن ان يقرر بقاء بشار الاسد من رحيله في الفترة الرئاسية القادمة..
التحركات الدبلوماسية والاستخباراتية لروسيا تبين بانها تجري الكثير من المشاورات حول هذا الموضوع، وان مصير الاسد بات بالفعل موضوع تفاوض بينها وبين باقي القوى، والاكثر من ذلك انه بات من الواضح انها تستعد لاحتمال تنحي الاسد وذلك من خلال سعيها المستمر للسيطرة على كل مفاصل القوى في المؤسسة العسكرية وحتى الامنية..
بالطبع فان روسيا تفعل ذلك بتفويض من القوى العظمى الاخرى وعلى رأسها اميركا وبالتنسيق مع قوى اقليمية فاعلة على رأسها تركيا وربما بشكل اقل مع ايران..
وتفاصيل التحركات التي بدأت روسيا منذ اشهر بالقيام بها لتحديد مستقبل سوريا السياسي بعد العام 2020 باتت مكشوفة لكثير من الدوائر السياسية في المعارضة وحتى في دوائر النظام نفسه..
فروسيا اليوم تمتلك القرار في التعيينات حتى في قصر الرئيس الاسد، هي من تقرر من يبقى ومن يرحل واذا راقبنا الوضع جيدا فاننا سنرى ان ظهور بعض الشخصيات في كثير من المناسبات التي تخص الجانب الروسي ليس له تفسير سوى ان هذه الشخصيات باتت "ازلام" روسيا في "قلعة" النظام..
ما يمكن قوله اخيرا في هذا الصدد، بان الصديق الروسي اليوم يقبض على "روح" النظام السوري اكثر بكثير مما يفعل اعداؤه.. وان مصير النظام ومصير بشار الاسد اصبح بدون ادنى شك في القبضة الروسية.. التي كلما شددت سيطرتها على الوضع في سوريا واستحوذت على القرار كلما اصبحت قدرتها على اجراء تغيرات جذرية عميقة اكبر.. تغيرات قد تغير وجه سوريا "الاسد" الى الابد..
نضال معلوف
https://www.facebook.com/nedal.malouf